الاثنين، 12 نوفمبر 2012

العزازمة.... وطنيون بلا وطن


عليهم كل الواجبات. وليس لهم أي حقوق، علي الحدود أسود تزأر في وجه من يقترب الي عرين الوطن ويتلقون بصدورهم العارية رصاصات الغدر كأول درع وأول جرس إنذار لمصر. بدون كهرباء ولا ماء ولا مستشفي ولا مدرسة ولا بنية تحتية ولا حتي تنمية ولا زراعة ولا صناعة ولا وظائف.

ولكن كل ما سبق لا يهمهم ويتعايشون معه ويتحايلون عليه ويهزمونه. لكن الأكثر صعوبة أنهم مع أدائهم لكل واجباتهم "بدون جنسية". "وطنيون بلا وطن". تجعلك حكاياتهم تسأل. يعني إيه كلمة وطن؟. "يعني ارض؟ حدود؟ مكان؟ ولا حالة من الشجن"؟

هناك في قبيلة العزازمة تجد الأرض تنطق باسم مصر. الحدود تنطق بإسمهم. وبشهدائهم. والشجن يعتصر كل نظرة وكلمة وشهادة من شهادات اسود الحدود من اهل القبيلة

وكلما اقتربنا كان هذا السؤال يلح علينا. ما هذا الكم الهائل من اللون الاصفر وسط سيناء رغم ما تملكه الارض الخصبة من إمكانات. ومع ثروات التعدين التي لو تم استغلالها لتحولت سيناء الي قطعة ذهبية تفيض خيراً علي مصر؟!

بيوت صغيرة جدا وفقيرة تلوح لك من بعيد تشعرك بأنك تدخل علي مكان مليء بالبؤس والمرارة فتتساءل كيف يعيش هؤلاء؟، هل لديهم مستشفيات؟ مدارس؟ خدمات؟ "ولا كله بالمجهود الذاتي؟
 وداخل هذه البيوت التي تنم عن فقر شديد كان اهل الكرم الشديد. وعلي رائحة الدخان العربي كان حديثنا مع شيوخ وشباب قبيلة العزازمة.

البداية كانت من عند الرجل العجوز الذي حفرت التجاعيد وجهه. عم "سليمان مصلح سالم" تحدث وهو يلف سيجارة الدخان العربي الثقيل قائلا: "نحنا مش لاجئين نحن مصريين أباً عن جد" وأضاف :نحن وقفنا أسودا وصقورا علي الحدود ايام الثورة وكانت حدودنا مفتوحة، كنا واقفين "لجنة شعبية" تراقب الدوريات الإسرائيلية وعندما كنا نشعر بحركة غريبة نبلغ الأجهزة المصرية.

نعم نحمل السلاح ولكنه موجه للعدو الاسرائيلي وجهنا للصهاينة وظهرنا لبلدنا مصر، لكن كمان احنا من حقنا يكون معانا ورق. هوية. اثبات للشخصية، كل الحكاية إن احنا معانا وثائق مكتوب عليها غير معين الجنسية يعني "بدون" نحن مين؟ حد يجاوبنا؟.

قاطعه عم "سالم هليل عيد" 80 عاما بصوت صارخ متألم "عاوز الجنسية عشان اطلع احج، نفسي ازور بيت الله الحرام قبل ماموت، الوثائق اللي معانا مافيش حد معترف بيها.

كل عام نقدم اوراقنا بالعريش ويقولون لنا انهم قدموه للسفارة السعودية هكذا قطع الحديث الشيخ "عوض عيد" ولكن دائما ما ترد السفارة بأن الورق غير مقبول. "فلوساتي" جاهزة وما بدي شئ من حد لكن نفسي اشوف بعنيا المسجد الحرام والمسجد النبوي وأموت.

الشيخ "هويشل" 80 عاما بدأ حديثه قائلا: في عام 1956 كنت عسكريا علي الحدود المصرية الاسرائيلية وبرضه غير معين الجنسية رغم ان كان معانا كارنيهات من الجيش المصري. عدد الناس اللي ما معاها ورق في العزازمة يصل إلي اربعمائة اسرة ومنقدرش نمشي إلا من طرق التفافية طبعا زمان أمن الدولة كان يأخذنا ويأخذ أولادنا ويسجنهم ويلبسهم قضايا مخدرات وسلاح، ياما ذقنا الذل علي إيدهم وبصراحة لما مشيت الشرطة الجو مشي وراق ولا عدنا نسمع عن بلطجة ولا سرقة ولا أي شئ.

"سليم عيد سليم" بدأ حديثه متمردا صارخا قائلا أهل سيناء كلهم ما يخونوا ونتحدي أي حد بيجبلنا أي بدوي من عندنا اتمسك كجاسوس لاسرائيل إحنا عندنا وطنية جامدة وبنحب مصر لكن حاسين إننا خدامين عندكم وبنحرس الحدود "أونطة"

بيقولوا لنا إن الشرطة هاتنزل تستلم عملها الأمني وما عندما مانع ينزلوا لكن بشروط أولها إنهم يحترمونا ويقدروا عادتنا وتقاليدنا ولو شافوا العمم اللي فوق رءوسنا ميقولوش لينا "يهود سينا ولا يوقفوا عربياتنا ويقولولنا خد يا واد يا عرباوي وينزل ضرب وشتيمة فينا. عايزين عيالنا تتعلم وعشان يدخلوا المدارس لازم يكون معاهم ما يثبت انهم مصريون.

وهي فين المدارس والمستشفيات ولا حتي الكهرباء والمياه. هكذا قطع الحديث "عودة ارتيم عيد" قائلا. عربية المياه نشتريها من العريش بألف جنيه للشرب فقط وتكفينا شهرين فقط لكن فيه ناس غلابة عندنا ميقدروش يشتروا المياه فبيشربوا مياها مالحة لما كلاويهم اتهرت،

اتوقعنا بعد الثورة إننا نستريح ونعيش مصريين طبيعيين لكن بعد الثورة محسيناش ان فيه حاجة اتغيرت والله إحنا بنتمني الموت من يأسنا وزهقنا من كتر اللي بيقولوه لينا بكره هاناخد بطاقات.

انا مش مصري. الشهادة بتقول اني اجنبي بس انا نفسي ابقي مصري وكل يوم الصبح في المدرسة اللي المشايخ عملوها بنحيي علم مصر انا نفسي اطلع دكتور عشان اعالج بوي وسيدي هكذا قال الطفل محمد ابن احد المشايخ من قبيلة العزازمة حين سألناه عن دراسته.

وعن حال المدرسة قال محمد :"انا ما بفهم شئ من المدرس لأنه ما بيتكلم مثلنا" فطلبنا منه ان يكتب شيئا علي كراس لنري ان كان يجيد الكتابة فجاهد ليجمع شتات الحروف ليكتب أنا مصري.

خرجت من حجرة المجلس وقد ضاق صدري ليس برائحة الدخان العربي الثقيل ولكن بهموم ومآسي ابناء العزازمة. كدت ابكي أكثر من مرة وأنا أسمع كلمة مصر علي لسان هؤلاء الرابضين علي الحدود.

مصر هنا لها طعم أخر وكأنها شجرة نبتت في وجه الريح والرمال والشمس ترفع علي أعلي اغصانها العلم. ولكنني بكيت حقا واستسلمت حين قالها محمد شتيوي مصر اتولدت بعد 25 يناير ونحن اتولدنا معاها وهنا رنت في أذني كلمات الشاعر احمد فؤاد نجم التي تغني بها الشيخ إمام.

واه يا عبدالودود يا رابض ع الحدود ومحافظ ع النظام
كيفك يا واد صحيح عسي الله تكون مليح وراجب للامام.

المصدر : الأهرام 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق